أن تكون لبنانيّا

جلست أفكّر في ما طرحه "ليمينيل": ما معنى أن تكون لبنانيّاً؟
جلست أفكّر وأفكّر.
فهل توصّلت إلى نتيجة؟
قلت في نفسي "لعلّ الأولى بالإجابة عن هذا السؤال هم الأبناء الذين يحملون في قلوبهم حبّ بلدين وشعبين وحضارتين، مثلك أنت "ليمينيل"، لأنّهم أقدر على تعرّف مواطن تميّز كلّ بلد، ومعالم تفرّده.
وقلت أيضاً سأسأل أستاذي الفرنسيّ الجنسيّة الذي مضى على إقامته بيننا أكثر من عشر سنوات... فهؤلاء الأجانب الذين يتعلّقون بالمكان تحت تأثير جاذبٍ غريب لا شكّ يعرفون ماذا يميّزه عن دولهم الباردة.
ثمّ قلت سأسأل أصدقائي المغتربين المشتّتين في سائر أنحاء الأرض. هم الذين يغرقون في المنفى، ليفتّشوا داخل النّظرات عن مكانٍ يفرغون فيه حقائبهم المليئة برائحة الصّعتر، وكمشة التّراب، وبعضٍ من رسائل الأحبّة.
أصابتني الحيرة. أين أبحث أيضاً؟
هل أغوص في أغاني فيروز؟ أتراها هي ما يخفي السرّ؟ لكنّ فيروز لغةٌ عالميّة؛ وطريق النّحل، وقهوة المفرق، وميس الرّيم عناوين تتعدّى الحدود اللبنانيّة. أمّا شادي، وحنّا السّكران، وصبحي الجيز، فمن منّا لم يقضِ برفقتهم ليلةً، يسامر فيها النّجم ويكتحل السّهاد؟
وفجأةً، فطنت إلى حقيقة الأمر.
يكفي أن تكون قد تنسّمتَ عطر لبنان في زهور الرّبيع، في قصائد جبران وسعيد عقل وأنسي الحاج، في صوت نصري ووديع وفيروز، في الشّمس تغفو في حضن الأفق وتعود لتشرق من جديد كلّ صباح، في ضحكات الأطفال وهم يجرون خلف طائراتهم الورقيّة، وجلسات الكبار حول ركوة قهوة ولعبة طاولة. يكفي أن تكون قد حمّلتَ طيور السّنونو إليه السّلام مرّةً، وطبعتَ في قلبك عنه ذكرى حلوة. يكفي أن تحمل في داخلك حلم النّوم تحت سمائه. يكفي أن تحبّه، أينما كنت، وبغضّ النّظر عن أيّ مكانٍ تفد منه، وأيّة جنسيّة تحمل.

أن تكون لبنانيّاً يعني، بكلّ بساطة، أن ترسل إليه كلّ ليلة، قبلةً، قبل أن تنام.