8.10.05

قدموس

بينما كانت السفن تحمِّل كلّ الخائفين والمتذمّرين من حالة الوطن... وبينما راحت تتسابق هاربةً لتحافظ على ما تبقى من السلالة التي ليس لها من مثيل في كلّ الأرض... وصل الخبر إلى أذن قدموس، الذي كان يجوب بسفينته في كلّ البسيطة ليعلّم الناس الحرف فصُدم حتى الموت...

أيعقل؟! أيعقل أنّه هو من ترك بلاده ليشعّ نور المعرفة في كلّ مكان يخسر بلاده؟!...
فأوقف رسالته الإنسانية وقفل عائداً إلى أرضه الأم...
نعم، قرّر العودة مع أنّه كان يجدف عكس التيار، ومع أنّ الرياح الغربية كانت تعاكس أشرعته...

وكان كلّما التقى بواحدة من السفن الراكضة يستوقفها مستفسراً... فلا يلقَ إلا جواباً واحداً: هل جننت لتعود إلى الخراب والضياع؟!...
بينما كان ينتهرهم: هل جننتم؟ هذا الوطن... هذا لبنان... أين أنتم ذاهبون؟... ماذا تعتقدون؟... ماذا ينتظركم في الغرب؟... آه! هذا لبنان... هذه الجنّة، أين أنتم ذاهبون؟...
فلم يكن يتلقّى إلا قهقهات الاستهزاء، وكم كان ألمه كبيراً...

ما إن لامست سفينته المياه الإقليميّة حتى تراكضت نبضات قلبه... فأحسّ بفرحٍ غريب رغم الحزن الذي كان يتآكله...
لكنّه ومن بعيد، شاهد الناس يحتشدون عند المرفأ... وعندما اقترب أكثر شاهد أبناء وطن الأرز يقبّلون وهم راكعين أيادي السفراء، ليحصلوا على ختمٍ أو ورقة تخوّلهم ترك الوطن...
فهاله المنظر... وتمنّى لو أنّ البحر ابتلعه وسفينته قبل أن يرى ما رأى...
ما أن لامست أرجله الأرض، ركع وقبّلها... ثم قام بطريقةٍ هجوميّة صوب الناس وراح يصرخ قائلاً:
لبنان هو أرضنا... لبنان حبيبنا... لبنان سلامنا... لبنان راحتنا... لبنان بيتنا... لبنان رسالتنا... لبنان لنا...
لمن تتركوا مساجدكم وكنائسكم؟...
لمن تتركوا بيوتكم؟...
لمن تتركوا قدّيسيكم؟...
لمن تتركوا الأرز؟...
كيف سيعطونكم أرضاً وهم طامعون في أرضكم...
كيف سيحبكم من أنتم دوماً في نظره "الغرباء"...
حيث أنتم ذاهبون لا سلام لكم لأنّكم ستكونون أوّل من يعتقل كلّما تعارك زعيمٌ منهم مع صاحبته...
هل تعتقدون أنّكم قبلتم في بلادهم إلا لتكونوا أجراء...
بلادنا ليس هناك مثل جمالها...
بلادنا ليس لها مثيل أيّها الإخوة...
عودوا... عودوا... عودوا...

من كان له من الناس آذانٌ للسمع في ذاك اليوم وسمع عاد...
وعلم الكثيرون بأقواله فتمسّكوا الوطن...
ومن عرف مدى حبّه لأرضه، أبى أن يحيا إلا في الأكواخ التي بناها أجداده، وأبى ألا يدفن إلا فيها...
ولم يكتف قدموس بنفسه، بل راح يجمع من كلّ حدبٍ وصوبٍ في الوطن كلّ من في نفسه حبّ لبنان... وكلّ من في الغربة ويحنّ لرائحة وهواء لبنان... ومن كان في نفسه خوفٌ من الكلام، شجّعه وساعده حتى يصير طليقاً... من لم يعرف كيفيّة البناء، حمل معه وبنى معه... من عمل حسناً أثنى عليه، مذكّراً إيّاه أنّنا كلّنا للوطن...
من كلّ حدبٍ وصوبٍ لملمهم... وجمعهم كلّهم في حزبٍ واحد، وهو ما لم يقدر على فعله قائد مرّ يوماً على السلطة... جمعهم في حزب لبنان... حزب حبّ لبنان... حيث ليس هناك حقّّاً لا طائفية، لا مذهبية، لا مناطقيّة ولا فئوية...

فيا قدموسنا!
شكراً لما قدّمت وتقدّم من وقتٍ وجهدٍ مجاناً خدمةً للبنان... ورجلاً كنت أم فتاة، فبأعمالك أنت رجل ولا كلّ الرجال...
ولا تأبه إن تركت سفينتك مرافئ البعيد، لأنّك بعودتك إلينا حميت مرفأ الوطن الأبدي... ولأن حرفك اللبناني الأصيل خرق ولا زال يخرق الأزمنة والأماكن... فأنت ومنذ آلاف السنين لم تتوقّف عن تعليم الحوار بالحرف والكلمة لكلّ شعوب الأرض...

8 Comments:

At Monday, October 10, 2005 2:04:00 AM, Blogger Maldoror said...

So should we thank him for our all the explosions as well?!

 
At Monday, October 10, 2005 9:55:00 AM, Blogger Eve said...

"ورجلاً كنت أم فتاة، فبأعمالك أنت رجل ولا كلّ الرجال..."

ما قدرت ما علّق على هيدي الجملة، مع إنّو ما كتير خصّها بالموضوع. بس حوّاء المنادية بالحقوق النّسوية هي التي تتكلّم. كيف يعني؟ أرفض وأستنكر وأشجب :ppp

 
At Monday, October 10, 2005 11:58:00 AM, Blogger Maldoror said...

It is a figure of speech Eve! :P

 
At Monday, October 10, 2005 2:57:00 PM, Blogger Eve said...

ما خصني، بعدني برفض وباستنكر وباشجب :) قال اخت الرجال قال. لا للتّعابير الذّكوريّة العنصريّة! نعم للاستعارات الكلاميّة الأنثويّة!

آخ، شكلي تحمّست مرّة تانية!

 
At Monday, October 10, 2005 5:18:00 PM, Blogger Delirious said...

EVE! Come onnnnnnnnn!
Tu exagères!!
It's so obvious that it's a figure of speech!!!

 
At Tuesday, October 11, 2005 12:18:00 AM, Blogger Sassine And Marwa El Nabbout said...

That is the problem my dear! each one of us is looking from his point of view! you remembered me of something, medical: they presented a chest Xray to a cardiologist, so he saw only the heart... then they presented it to a pulmonary physician and he saw only the lungs... they presented it to an orthopedist so he saw only the bones... and so on... but no one saw it as whole unique image... anyway, what i said is only a figure of speech... and sorry if that makes u that angry... it was the only thing that i didnt mean in this text...

 
At Tuesday, October 11, 2005 9:25:00 AM, Blogger Eve said...

معقول يا جماعة؟ كنت عم طقّ حنك مع مالدورور.
Inno of course I know it's a figure of speech :p I'm a translator after all. (even though it's a sexist figure of speech.)
I did put a ":-)" and a ":ppp", no?

 
At Tuesday, October 11, 2005 11:17:00 AM, Blogger Delirious said...

Lesh ma tkouneh fakkartini ana 3am be7ke jadd? Tsk!

 

Post a Comment

<< Home