أين هو الشعب العظيم؟
منذ أوّل مرّة وطأت قدماي تلك التي أطلقوا عليها إسم محميات جبال القموعة، وأنا أسمع بالمصيبة تلو الأخرى… فما ألبث أتقدّم حتى أجد ورائي الجبال تحترق، وما رأيته أخضراً في زيارة أراه بنّياً في الرحلة القادمة… والشجرة التي عصت على النار قطّعوا أوصالها… إذ يبدو أنّ هؤلاء العظماء عندهم عقدة نقص من الصلع، فيرمون عقدتهم على كلّ ما يرون كي يحسّوا أنفسهم طبيعيين…
دعونا نتكلّم عن مجلس البيئة في القبيات… الدكتور أنطوان ضاهر، جوني حنّا، رودريغو زهر وكثيرين من المثقفين العكاريين والناشطين البيئيين ومحبّي الطبيعة أمثال الدكتور كلود وإيدي اسكندر… هؤلاء أيّها السادة من خيرة المثقفين والوطنيين الشرفاء، الذين يضحون بوقتهم وعملهم لإظهار الوجه الحقيقي للبنان، أو على الأقل الحفاظ على هذا الوجه ريثما يأتي من يعرف حقاً قيمة أرضه وما عليها…
لقد رفض هؤلاء الأبطال فكرة الحدود الوهمية بين المناطق والأديان، وكانوا من الأوائل الذي تخطّوا كنيسة الشنبوق (حدود القبيات من جهة الجبال على الطريق المؤدية إلى الهرمل الأبيّة)… فوصلوا على ظهور دراجاتهم وحتى على أرجلهم إلى القموعة وفنيدق، حتى جرود الضنيّة والقرنة السوداء… علّموا كثيرين من بلدتهم محبة الأرض، وأثبتوا للجميع جمالها الخلاق… فما هي مكافآتهم؟! تفضلوا واسمعوا…
حرمهم نواب المنطقة من كلّ غطاءٍ سياسي أو دعمٍ مادي… فتحرّكوا وحرّكوا معارفهم، فأمّنت لهم البطريركية المارونية دعماً ماديّاً من الفاتيكان… وكان المشروع النموذجي بتطويق كيلومتر مربّع من أرض التي يطلق عليها إسم محمية، بهدف دراسة بيئية معمّقة لطبيعة النباتات وسرعة نمو بذار الأشجار وغيرها… طبعاً وضع الشريط الشائك لمنع الماعز (الممنوع تربيته فعليّاً بحسب القانون اللبناني)… فما كان من الحكومة اللبنانية الموقرة إلا أن رفعت دعوى على مجلس البيئة القبيات ممثل بشخص رئيسه أنطوان ضاهر… لماذا؟ لأنهم يسيطرون ويعتدون على أملاكٍ عامة!!!.
سيّروا مسيرات درّاجة وأدخلوا رياضة التزلج للمرّة الأولى إلى الربوع العكارية… ونصيبهم كان تطاير الرصاص فوق رؤوسهم…
نجوا بأعجوبة من دعوى الدولة اللبنانية ضدّهم، فاستفاقوا في اليوم التالي ليروا اللهب قد أكل المحمية النموذجية… فضاع التعب والمال والأرض… والدراسة… وبقيت الشرائط الشائكة لتطوّق أرضاً سوداء… والدعوى في أدراج قوى الأمن ضد مجهول…
هذا الأسبوع كان لنا النصيب الأجمل… لقد أصبحت مقتنعاً بأنّ من يقطع شجرة بوسعه قتل بشري بكلّ برودة قلب…
إيدي اسكندر أحد أصدقائي، المتطوّع مجاناً في الدفاع المدني، خرج من منزله حاملاً كاميرته، غايته السير وتنشق هواء الغابات المحيطة بقريته… مسالمٌ ولا يحمل أيّ سلاح… أطلقت عليه مباشرةً رصاصتين اخترقت إحداهما جنبه، فسقط أرضاً… ولولا العناية الإلهية لكان فقد كلّ دمائه بعيداً عن كلّ عين… وهو اليوم في حالٍ خطرة في إحدى مستشفيات العاصمة حيث أجريت له عملية طارئة…
وعلى حسابه الشخصي لأنّ المتطوعين مجاناً في الدفاع المدني لا يستحقون عناية الضمان لأنهم لا يخدمون الأمة اللبنانية…
ماذا بعد؟
من التالي؟
قد أكون أنا في المرّة القادمة… أو أيٌّ من أصدقائي الآخرين… وسيكتب (إن كتب) في الصحف اللبنانية أنّه قُتل بينما كان يمارس هواية التصوير، وقد فتحت القوى الأمنية تحقيقاً في الحادث…
ولمن لا يعرف، عندما أتمشى هناك، لا أخاف من الحيوانات لأنّها غير موجودةٍ أصلاً… بل أخاف من شيءٍ آخر…
هذه القصة أكبر بكثير من حطّاب قطع شجرة كي يصنّع منها الفحم، ليرفع الجوع والبرد عن عائلته…
ما هو الذي يخيف هؤلاء من سيرنا في الغابة؟…
حسناً، أظنّ أنّه على الدولة المعظّمة لا سمح الله فتح تحقيق وتفتيش المنطقة بدقّة، وإطلاع الشعب على ماهية البيوت الصغيرة المخفية في عمق الغابات، وملاحقة آثار السيارات الرباعية الدفع في عمق الجبال، لأنّ المهربين والخارجين على القانون لا ولن يسلكوا الطريق الرئيسية حيث يتمركز الجيش اللبناني… لكن هل من يسمع؟!
1 Comments:
Disgusting.
Post a Comment
<< Home