17.2.07

حرب السارقين


اجتمعوا في الخفاء، رسموا الخطة والطريق… تواعدوا على الكتمان، فلم يعرف إنسانٌ واحدٌ بما هم مزمعون على فعله… لم يكن ليتصوّر مخلوقٌ بشري مدى خبثهم… ففي حين كان البشر يحتضرون، آخر ما كان ينقصهم أن يسرق أحدهم ما تبقى لهم للحياة بعزّة…
وكالعادة المريرة، نجى كلّ منهم بفعلته، لأنّ الشعب البسيط لم يعتقد يوماً أنّ الخيانة قد تكون من أهل البيت… ولأن القوانين في الغاب مفقودة، لم يسلك الأبطال زواريباً لنقل كنوزنا، بل جالوا علناً…
مصيبة الإنسان، أنّه لا يعرف قيمة الشيء إلا عندما يفقده… وما سرقه هؤلاء، كان أمام ناظرنا في كلّ يوم ولم نعرف به…
سرقوا جنى أجدادنا، وباعوه ما وراء الحدود بأبخس الأثمان… لمن؟! نعم، ويا للأسف لسارقين آخرين، باعوه بدورهم لمن علّمهم ذلك…
عاد السارقون حاملون غلاتنا في جيوبهم، وراحوا يطعموننا بما فاض منها، فتبعناهم ووثقنا بهم كالكلاب الوفيّة… حتى من علم منّا بما فعلوه، غضّ النظر فداءً للمصلحة الشخصية، أو خوفاً من موتٍ…
ولا عيب في أن يحكم من له المال… فكما قال أحد حكماء قريتي (القابع اليوم في السجن بتهمة اختلاس المخابرات!هل يصدّق أحدكم كيف أنّ رجلاً سرق المخابرات في عزّ جبروتها؟): في البداية الشهرة، ثم المال… وعندما يكون لك الإثنان، لا يبقى أمامك إلا السلطة.. وهكذا فعل أبطالنا…
لكن ما إن تمركزوا في مواقعهم، عرفوا أنّهم نسوا بعض الأشياء في الغارة الماضية… طبعاً، فقد بقي لنا سمك البحر، وحجارة الجبال، والهواء… يا للهول! لقد سقط سهواً من أمام أيديهم الكثير…

وكالعادة، الشعب المتعلّق بالقشور، الذي يتباهى بالتمدّن لم يخرج من العشائرية والتبعيّة…
التفاهة هي بسببنا، فلا أحد يجبر أيّاً كان أن يكون بلا معنى أو حتى بلا عزّة نفس، إن لم نقل بلا تفكير… هناك الكثير من غير المتعلّمين في العالم، لكنّهم ليسوا بالضرورة بلا كرامة، يتذلّلون أمام سارق ويعظّمونه في وجهه، بينما يطلقون السباب عليه في غرف نومهم… وما إن تأتي ما يسمّونها إنتخابات، يسكبون بصوتهم الحنون في الصناديق، فيغنّي كلّ الناجحين أغاني العفّة والطهارة، ويطبعون على جبينهم عدد الأغبياء الذين انتخبوهم…
ويا سعدُه الذي يجد اسمه على رأس سيّده القديم المتجدّد… طبعاً يا سعدُه، فانتفاخه الفارغ لن يسمح له برؤية كلمة غبي بقرب اسمه…

مثال الديمقراطية! أكيد! فنحن أحرار في أن ننتخب الذي نريد من بين الأربعين حرامي!
المهم أن تبقى المغارة… وللعلم والخبر “افتح يا سمسم” ليس مفتاحها…

لبنان مثال الحياة الحلوة… الأمن، السلام!
انخدع أبو الكذّابين لوهلةٍ، واعتقد أنّ أبناءه بدأوا يحيدون عن الدرب “القويم”، إذ وصلت إلى مسامعه أنّهم يدفعون لبناء الكنائس والمساجد… بينما هم فعلوا ذلك فقط أملاً بكسب رضىً كاذب للقيّمين الموتى عليها… لعب الوسواس برأسه… طبعاً فقيام مؤمنٍ حقيقي واحد في أحدها يزعجه… وهو يفضّل أن يحرق بلداً باكمله وقائياً، من أن يرى بذرة ممكن أن تزهر في يومٍ من الأيّام… وأيضاً لماذا لا يتلّذذ يوماً بكلّ المال الذي لطالما نصح أولاده بنهبه…
كيف يدخل إلى المغارة؟ سهلٌ جدّاً… قتل واحداً من السارقين، سرق المفتاح… ودخل… بكلّ بساطة…
هنا تساءل السارقون ماذا يفعل الوالد عندهم، وكيف دخل… فقال وهو ينظر إلى قسمٍ منهم: لماذا قتلتم أخاكم؟! فانقضّ الإخوة الأفاضل على بعضهم، نهشاً وتجريحاً وسباباًً… طبعاً، الأجواء بينهم مشحونة على الدوام… من سرق أكثر؟ من تعب أكثر وهو يسرق؟ من ذاق الأمرّين وهو يسرق؟ من حصّته أكبر؟ من يستحقّ حصّته ومن لا يستحقها؟…
أمّا هو فكان جالساً بفرح على الصناديق… وما كان منه إلا أن قام وفتحها على غفلةٍ منهم، فوجدها كلّها فارغة!
جنّ جنونه، فأمسك بعنق أحد أبنائه قائلاً: أين المال! الآن قل لي! أين المال؟
فردّ ابنه قائلاً: قدّمناه هدايا للجار!
قال الأب بغضب: لماذا؟!
ردّ الأبن بحرقة: كي نكون بالسرقة أحرار…
فقال الأب: وكيف تعيشون هنا؟! بأيّ مال؟
قال: إستدنّا أربعون مليار!
فقال أبو الكذابين بغضبٍ وشرّ: أفنوا بعضكم… لا أريد أن أسمع بسلامٍ في هذا البلد بعد الآن… أنا ذاهبٌ لأتبنّى بشّار…

هل تعتقدون أنّ السارقين هم الذين ماتوا؟!
أخطأتم كالعادة!
الذي مات ويموت هو شعبي، لأنّه يرزح تحت حملٍ ثقيل… نعم، على ظهره يركب أربعون حمار…

Labels:

0 Comments:

Post a Comment

<< Home