أن تكون تلميذ طب

أن تكون تلميذ طب ليس شيئا اعتياديا. لست أقول هذا متفاخرا، بل على العكس تماما! انها لعنة تلاحقق طوال فترة دراستك.
على أن الرحلة، بمشاكلها و عذابها (آهههههههههههه من عذابها)، تبقى تجربة فريدة قل نظيرها.
من أجمل ما يمر به تلميذ الطب، الكم الهائل من المواقف المضحكة و المحرجة في آن.
مذ دخلت كلية الطب، و بما أنني "بكر" العائلة، و أمي لا تنفك عن الافتخار بابنها البار. "يقبرني ابني حكيم" "الله يخليلي ياه، و يرضى عنه دني و آخرة". و طبعا لا يحلى هذا "الافتخار" الا أمام الجارات و الأصحاب و القريبات، حيث تتبارى "النسوان" في مدح أبنائها، و ذكر مآثرهم.
في أحد الأيام كنت عائدا الى منزلي من بيروت، و فوجئت بجارتنا "أم الياس" عندنا. طبعا الماما ما ان رأت ابنها حتى بدأت في مديحها"حبيبي الحكيم رجع" "تقبرني ما تبلى هالطلة". أم الياس لم توفر جهدا، و ابتسمت ابتسامة عريضة قائلة "أهلا بحكيم الحارة". طبعا لا حاجة لذكر الاحراج الذي كنت فيه أمام سيل المجاملات، و أصبح لزام علي الجلوس مع الجارة لتواصل أمي افتخارها الدائم.
و طبعا، بدأت أم الياس في القاء سيل الأسئلة الطبية علي، باعتباري الطبيب، و محاولة منها للنيل مني أما والدتي. أثناء الحديث، سألتني أم الياس: "تقبرني، بتعرف تضرب ابرة؟"ٍ سألتها: "ليه خير انشالله؟" فعالجتني أم الياس: "أكيد بتعرف، ما صرلك 5 سنين عم تدرس طب" ابتسمت ابتسامة خفيفة، اذ من الصعب الشرح لأم الياس أنني درست 3 سنوات علوم حياة، و ما زلت في السنة الثانية من الطب، و لم نبدأ التدريب العملي بعد.
استأذنت بأدب، و ذهبت الى غرفتي. بعد حوالي 5 دقائق، أفاجأ بأم الياس تطلبني على عجل، ذهبت الى الصالون، لأجد أم الياس، و في يدها حقنة تقول: "حكيم، لازم آخد ابرة السكري، فيك تضربني هيي؟؟!!!!" . لا داعي للقول، انني وجدت نفسي في موقف محرج، خصوصا أن أمي أحست أنني محرج، و ارتسمت ابتسامة ساخرة على وجه أم الياس.
كان لزاما علي التصرف بسرعة، و الا جعلتنا أم الياس "علكة" في فمها. فسألتها :"يا طنت، مش المفروض انه انتي بعرفي تضربي حالك ابرة السكري؟ لانه هيدي عطول معكي" "ايه مظبوط تقبرني، بس قلت انت حكيم، و أكيد بتعرف أكتر مني!".
جاءني الفرج، و ابتسمت ابتسامة عريضة و أنا أقول "اذا هيك يا طنت، أرجيني كيف بتضربي الابرة، تشوف ازا بتعرفي أو لأ!" ارتبكت أم الياس و قالت :"يييه! نسيت الطبخة عل النار! بببقى برجع مرة تانية!".
القصص الطريفة لا تنتهي أبدا. في أحد الأيام، كنت و صديقي ذاهبين الى المستشفى، لكن حارس المبنى الذي نسكن فيه سأل صديقي: "حكيم بتعرف تقرا تخطيط راس؟" أجاب صديقا بفخر "أكيد، و لو!" " ازا هيك، بليز تقرالي هل التخطيط تبع ابني، شفلي شو معو!". ارتبك صديقي، فهو لا يقدر على تشخيص المرض من مجرد قراءة التخطيط، هذا اذا استطاع قراءته أساسا! لكن صديقي وجد الحل، "أنا مستعجل كتير، اعطيني التخطيط، و بس ارجع بشفلك ييه"، و ذهب مع التخطيط الى دكتور الأعصاب ليسأله!
كما ترون، ليس سهلا أن تكون تلميذ طب، ففي الوقن الذي تعامل فيه كطبيب متمرس من قبل المجتمع، الا أنك لا زلت تلميذا، و ليس من السهل شرح ذلك للناس، و الا عاجلوك بنظرة شماتة، و لسان حالهم يقول "أما شو حكيم! حكمة آخر زمن!"......