10.10.06

الرمل العالي

مشكلة اللبنانيين أنهم لا يثقون بالدولة لأنها تنام عن أناس وتصحو على آخرين. وحين يطبَّق القانون، في ذهنية اللبناني دائماً أنه قانون انتقائي جاء ليطبق عليه نكاية فيما الآخر يسرح ويمرح بحماية من القانون.
"الحادث" الثاني حصل في الرمل العالي على خلفية أعمال بناء غير شرعية تغاضت عنها قوى الأمن لمدة طويلة وبحسب السفير "أن القاصي والداني يعلم بأن عملية المخالفات قد انطلقت في عز عدوان الثاني عشر من تموز، وبغض نظر متعمد من الجهات الامنية الرسمية المعنية، لقاء بدل مالي، صار معروفاً سقفه، تبعاً للسقوف الاسمنتية التي جرت العادة بأن ترتفع قبل طلوع الفجر".
السفير أرسلت صحفيها جهاد بزي منذ اليوم السابق للأحداث لاستشعارها أن هناك شيء ما يحدث. ذهب بزي إلى هناك. قال أن قوى الأمن كانت طويلة البال في اليوم الأول فيما كان سؤال الأهالي المتكرر:
"لماذا غضوا النظر طوال الفترة الماضية؟"
لكن صبر القوى الأمنية لم يكن طويلاً في اليوم التالي كما يقول بزي فتحول يوماً دامياً أسود. يثبت بزي ملاحظة لا بد من التوقف عندها هي الآتية:
لم يكن هناك سيارة إطفاء تفتح خراطيمها في وجه المعتصمين. لم تفتح قنبلة واحدة مسيلة للدموع. لم تكن العناصر المجهزة بالعصي والدروع البلاستيكية موجودة لرد الناس بالضرب بالعصي وليس بأعقاب البنادق وبالرصاص الحي. لم يحدث شيء مما يفترض أن يحدث في تصدي قوى امنية لشغب في الشارع.
التساؤلات تدور حول إذا ما حدث إطلاق نار من بعض الأهالي باتجاه قوى الأمن. بيان قوى الأمن لا يحدد من أطلق الرصاص ولا كم الإصابات التي وقعت بين صفوفه.
يقول بيان الأمن الداخلي نقلاً عن الطبيب الشرعي الدكتور نعمة الملاح:
أفاد الطبيب الشرعي الذي كشف على جثة الفقيد والمصابين المدنيين، ان الفقيد قد اصيب بطلقين ناريين في الظهر من سلاحين حربيين مختلفين وعن بعد مترين تقريباً، وان اصابة احد الجريحين خطرة وهي ناتجة عن رصاص متفجر غير مستعمل في قوى الأمن الداخلي وهي عن مسافة مترين ايضاً. وبوشرت التحقيقات بإشراف القضاء المختص.
ومنعا للقراءة الخاطئة، حيث أن البعض اعتقد أن الطبيب الشرعي هو الذي أفاد أن هذا النوع من السلاح غير مستعمل في قوى الأمن الداخلي، إنما الواقع هو أن تقرير الطبيب الشرعي قد حدد الشق الطبي المتعلق بنوعية الذخيرة التي أصيب بها الجريح وهي رصاص متفجر ولا علاقة له بالشق الثاني المرتبط بعدم وجود هذا النوع من الرصاص لدى قوى الأمن الداخلي التي بدورها تؤكد مجددا على بلاغها السابق بعدم وجود هذا النوع من الذخيرة لديها. لذلك اقتضى التوضيح.
في اليوم التالي مات محمد حسين علي ناجي (11 عاماً) متأثراً بالطلق الناري الذي اخترق جمجمته. التشريح بحسب الطبيب الشرعي الدكتور حسين شحرور، الذي كلفه مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية الرئيس جان فهد قال الآتي:
تمكنا من تحديد وضع خمس شظايا وكانت بالمواصفات التالية: متشكلة من معدن الرصاص متجعدة وملاكة، مع ملاحظة الغياب الكلي لأي اسوداد او توشم فوق العظم وداخل الانسجة الاخرى، وعليه فإن الفتى اصيب بطلق ناري بناحية صدغه الايسر وقد تم الرمي من مسافة بعيدة بدليل غياب الوشم البارودي، وفوق ذلك فإن الطلق بعد ارتطامه بالعظم قد تشظى وتكسر الى قطع مُلاكة نتيجة هذا الارتطام مع ملاحظة ان الجمجمة قد اصيبت بكسور خطية ولم تتهشم بالكامل.

1- الطلق ليس "متفجراً"، بعكس ما جاء في بيان قوى الأمن الداخلي، وهو ليس عن مسافة مترين، بل عن مسافة بعيدة.
2-الدكتور شحرور يؤكد أنه لا يوجد أصلا "رصاص متفجر"
3- الدكتور شحرور شرّح ايضاً جثة حسن لطفي سويد الذي قتل يوم الجمعة، وجاء في تقريره حول إصابة القتيل: "الحالة تعرضت للإصابة بطلقين ناريين كلاهما رمي من مسافة بعيدة بدليل غياب كلي للوشم البارودي. ولا يمكن تحديد نوع السلاح المستعمل وذلك لغياب أي اعيرة نارية في جسم الضحية".
4- تذكير أن بيان الأمن الداخلي قال: "إن الفقيد اصيب بطلقين ناريين في الظهر من سلاحين حربيين مختلفين وعن بعد مترين تقريبا".
يصل بزي إلى الآتي:


ولا إطلاق نار من مسافة مترين، ولا يوجد سلاحان مختلفان في إصابة محمد سويد. ما الذي تبقّى من بلاغ قوى الأمن الداخلي؟ ببساطة: لا شيء. كل ما حاول البيان أن يوحي به تبين أن لا أساس له من الصحة. بقي ما جاء ايضاً في البلاغ: "بعض المواطنين أطلق عدة عيارات نارية الأمر الذي أجبر قوى الأمن الداخلي لإطلاق طلقات نارية معدودة في الهواء لثنيهم عن ذلك". قوى الأمن لم تثبت حتى اللحظة أن إطلاقا للنار جرى من قبل المتظاهرين. وكل روايات شهود العيان تنفي أن يكون أحد قد رأى مسلحين غير قوى الأمن يطلقون النار.

(..) تجدر الإشارة الدكتور الملاح رفض التوقيع على التقرير الشرعي الذي كان يفترض ان يكون مشتركاً عن اللجنة التي شرّحت الجثة بسبب خلاف حول المسافة التي أطلقت منها النار.


عند وفاة الطفل الثاني وظهور التشريح الثاني لم تجد جريدة النهار أهمية في استقصاء الأمر من الطبيب الشرعي ذاته فاكتفت بخبر عن أحد المصادر الأمنية الذي يحرف بدوره ما يثبته الطبيب الشرعي الدكتور الملاح :

ونقل مصدر أمني لـ"النهار" عن الطبيب الشرعي الذي عاين جثة الطفل تأكيده اثر تشريحها انه "مصاب برصاص متفجر ليس مستعملا في قوى الامن الداخلي، وأن الطبيب الشرعي تمكن من انتزاع 10 شظايا من الجثة، فيما أبقى على خمس اخرى مستقرة في الجمجمة لم يتمكن من نزعها". كما أكد "ان اطلاق النار على الطفل من مسافة قريبة والاصابة في الرأس جاءت من الخلف الى الامام، الامر الذي لا يدع مجالا للشك في أن ثمة طابورا خامسا عمل على استغلال المشاغبات التي حصلت في الرمل العالي نهاية الاسبوع الماضي وأعقبها احتكاك بين قوى الامن والمحتجين على ازالة المخالفات ومثيري الشغب".

طبعاً فتفت سيضيف كل ذلك إلى محاولات اغتياله السياسية والمدونات تنقل عن المواقع الإخبارية الأجنبية ان مناصرين من حزب الله أطلقوا النار على القوى الامنية. وبعض أقلام 14 آذار ستركز على سبب تسمية الطفلين الموتى بـ"الشهيدين" وتندد أن حزب الله بعدما احتكر الله سيحتكر الشهادة.

حاشية: أغفلت قناة المؤسسة اللبنانية للإرسال أن الضحيتين طفلان. فيما يبدو أن الضحايا لم يموتوا بالنسبة لتلفزيون المستقبل.

1 Comments:

At Wednesday, October 11, 2006 1:20:00 AM, Blogger Mo said...

السؤال وين؟
لماذا نصل الى هكذا وضع؟
وضع تراق فيه الدماء هباء حين تستيقظ الدولة على كونها دولة. يأتي من ارتشى ليصلح ما ارتشي لأجله.ثم لا يْعرف ما حصل بالفعل الا في أقوال و تحقيقات الصحف.

شو يلي ناقص بهالسيناريو؟

ناقص جملة مكتوبة على أبواب أبنية موزعة على كافة المحافظات : العدل أساس الملك
ناقص شي سلطة ثالثة تعمل شغلها بس شوي. يعني بركي يخف الشغل عن السلطة الرابعة

 

Post a Comment

<< Home